الخميس، 19 مارس 2015

هل هي ترف أم حاجة ملحة ؟!


Do we need museums, and if so,why? what and who are museums for? We cannot answer such questions unless we know exactly what a museum is
 (13:Moore, 1997)


الإجابة على سؤال هل نحن في حاجة للمتاحف ؟  تحتاج إلى تمعن، هل هي ترف أم حاجة ملحة ؟ بالتأكيد للوهلة الأولى يخطر على بال بعض القراء أنها ترف وأنها مضيعة للوقت والمال . وهذا أمر طبيعي فإختلاف وجهات النظر رحمة ، ولا يفسد للود قضية. ومايراه البعض ترف يراه الأخرون حاجة والعكس صحيح. ولكن عندما يتعلق الأمر  ببناء المعرفة فهنا نحتاج إلى وقفة جادة ومناقشة منطقية. لذا عندما نجيب على أي سؤال  يختص بمجال المعرفة لابد أن نستوفي الإجابة ولا نكتفي فقط بذكر نعم أو لا .
سوف أتحدث عن رأيي الشخصي وليس بالمهم أن يكون مقنعا للجميع . ولكن المهم أن يكون صوت لرسالة يجب أن تصل كأمانة علمية لنرتقي ونتقدم.
في البداية أنا سعيدة جدا بمقال الأستاذ الفاضل  عبدالله الجعيثن ، ليس لأنه أشار إلى اسمي أو محور الحوار مع إذاعة الرياض،  إنما لأنه سلط الضوء على قضايا مهمة جدا في مقاله.

 القضية الأولى: وهي قضية المطالبة بالإبتعاث لتخصصات متميزة ومهمة لاتعرف قيمتها حاليا بالشكل المطلوب في ثقافتنا المحدودة. لأن كل التركيز يصب في الغالب على أهمية تخصصات معينة على أخرى . وهذا إجحاف بحق العلم والمعرفة التي لاحدود ولا قواعد لها. علما بأن الحاجة ماسة لجميع التخصصات ليكمل بعضها الآخر ، وليكتمل بناء المجتمع على اسس صحيحة ، وليس على الإستنساخ الغربي. نحن لانزال بلد مستورد ولم يتعلم بعد طرق التصنيع والإستفادة من خبرات ومواهب أبنائه المبدعين . لذا فالحاجة إلى التوازن المعرفي ، والإحتياج لكافة التخصصات  أمر يستدعي الإنتباه . 

القضية الثانية: وهي الإشارة إلى أهمية علم المتاحف. والذي يعكس ثقافة المجتمع ويعرض الإبداع الرباني في الكون ، والقدرات الإنسانية التي خلفها السابقون في شتئ المجالات والعلوم . المتحف ليس مستودع للذكريات والآثار . ولكنه مصدر للإلهام والتفكير والإبداع والبحث والمعرفة من أجل تطوير الحاضر وبناء المستقبل. للأسف أننا نفتقد الفهم الصحيح لأهمية المتحف كمؤوسسة تعليمية اجتماعية ترفيهية. فلا زالت الثقافة المتحفية في مجتمعنا في مهدها، ومن وجهة نظري هذا من أحد أسباب التأخر العلمي والحراك الثقافي. فالمتاحف في بداية نشأتها ارتبطت بالجامعات العريقة ولا زالت جزء لا يتجزأ من نجاحها وتقدمها ورقيها. فمنها انبثقت الدراسات والأبحاث العلمية ، وتطورت في كل المجالات، إلى أن أصبحت حاليا مراكز علمية تعزز ثقافة التعليم بالترفيه للجمهور ، والتعليم بالتطبيق للباحثين والمختصين . عوضا عن كونها مصدر دخل اقتصادي عالي للبلد ، فهي تحتوي على جميع المسارات العلمية وتحتضن كل الجهود الفكرية الإنسانية عبر العصور ، والتي تعتبر القواعد الأساسية لجميع الإختراعات التي نراها اليوم ، لأنها موطن الألهام للمبدعين والمخترعين.  

القضية الثالثة: وهي الإشارة إلى علم الملابس الذي يلاقي الإهمال والإجحاف بأهميته. فنظريات الملابس التي تحدثت عن الحشمة والستر، الوقاية والحماية، الجاذبية ، العري . خاض فيها الغرب دراسات عدة ولازالوا متفوقين علينا في هذا المجال ونحن لا نزال نسير خلف إنتاج الموضة الأوربي بكل فخر متجاهلين أننا نقود طمس هوينا وثقافتنا بأنفسنا. وأحد الأسباب المنطقية وراء هذة المشكلة هو عدم وجود اهتمام كافي بالتخصصات العملية الإنتاجية ، وكذلك النظرة الدونية للإنتاج الفني واليدوي. لانستطيع أن نعيش بدون ملابس ، فالملابس هي لغة الحياء التي يرتديها الإنسان وتعلمناها من بداية قصة البشرية  مع أبونا آدم وأمنا حواء. وهي أيضا لغة التواصل  غير اللفظية التي تعبر عن معتقدات وشخصيه كل فرد. نعم نحتاج إلى تخصصات تخرج لنا أطباء ، مهندسين ، ضباط ، محامين ، صيادلة، طيارين ، قضاة ، محاسبين ، وغيرها من التخصصات التي يرى بعض أفراد المجتمع أهميتها القصوى التي تفوق  الحاجة إلى تخصصات أخرى. ولكن كل أصحاب هذه التخصصات المرموقة ، لايستطيعون تقديم خدماتهم الجليلة والجميلة والتي لايمكن الإستغناء عنها بدون أن يرتدوا ملابسهم المختلفة في خاماتها وتصاميمها وألوانها لتناسب طبيعة عملهم وبالتالي نجاح أدائهم !  إذا نحن بحاجة إلى مختصين في علم المنسوجات والملابس . والحاجة لهذا المجال تمتد لتصل إلى  ملابسنا اليومية بإختلاف أنواعها ومناسباتها ، أثاث منازلنا ، ستائر نوافذنا ، المستشفيات والمعدات الطبية التي تدخل فيها المنسوجات ، تنجيد السيارات الخ .. نعم البعض لايقدر هذا الشئ  ولا يعرف أهميته وقيمة فقده ، ببساطة لأننا نستورده فهو متوفر من الخارج. إذا من المنطقي أن يكون من وجهة نظرهم بأنه لاحاجة للإبتعاث لهذه التخصصات ، ولا حتى للإهتمام بها داخل جامعات البلد؟! هل من الجميل أن نكون عالة على الإنتاج الغربي ونتقبله بمزاياه وعيوبه؟! وعلى غرار هذا المثال نقيس أهمية بعض التخصصات العلمية الأخرى المهملة ؟؟؟ والحديث في هذا الجانب يطول ويتشعب ولايستوعبه الكثير من الناس. 

القضية الرابعة : مقومات السياحة في البلد، وليس بالضرورة أن تكون أهدافها لإستقطاب جمهور من خارج البلد ، بقدر ما يهم أن تكون مهيأة لنا كمواطنين لإكتشاف ثروات بلادنا الجميلة ، وما حباها الله عزوجل من طبيعة ونعم . علم السياحة والأثار هو مجال بدأ يري النور ، وبدت خطواته ملموسة أكثر . شكرا للقائمين على تطوير الهيئة العليا للسياحة والأثار . كلل الله مساعيهم بالتوفيق.  

الجميل في طرح الأستاذ عبدالله  لعنوان " الملابس في المتاحف" أن ردود فعل قراء مقاله الجميل سواء كانت إيجابية أو سلبية ، ستكون بمثابة شاهد من واقع المجتمع على أهمية دراسة عرض الملابس في المتاحف ، وبالتأكيد فهذا العلم جديد على ثقافتنا السعودية ، ولكنه عريق وكان سبب في تطور المنسوجات والملابس الغربية التي تملأ نوافذ العرض في أسواقنا المحلية ، وتغزو دواليب ملابسنا وأثاث ،بيوتنا و مكاتبنا و مستشفياتنا ، وحتى سياراتنا !؟ 

آمل أن يكون مجال دراستي في تاريخ المنسوجات والأزياء بوابة لدراسات جديدة مستقبلية لي ولجميع الزملاء والزميلات المختصين في مجال الآثار ، المنسوجات والملابس التي ترتبط بكل مايحيط بنا ، والتي لايمكننا أن تستغني عنها . 

أقدم جزيل شكري وامتناني للأستاذ الفاضل عبدالله الجعيثن على مقاله الذي يمثل الفكر الراقي ، الذي يستوعب مقومات الحضارة ، وأسس التقدم والرقي العلمي والمعرفي . شكرا لحروفه الأنيقة ، المحفزة، والمشجعه علي الإستمرار ، والتي فسحت لي المجال لكتابة هذه السطور من أجل نشر ثقافة بناء المعرفة عبر المتاحف، ليس فقط في مجال الملابس إنما في جميع المجالات التي يخدم عرضها في المتحف نمو المعرفة ، ويحفز على الإلهام، وبالتالي الإبداع والإختراع ، والوقوف في مصاف الدول المتقدمة التي بنت مجدها وحضارتها من خلال تمسكها بهويتها والحفاظ على ماضيها وتراثها وتطويره بما يتلاءم مع متطلبات العصر الحديث. 

شكرا لجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن رائدة التطوير والتشجيع التي تسعى لإبتعاث منسوباتها في جميع كلياتها  لدراسة التخصصات العلمية الحديثة  التي تلبي متطلبات سوق العمل و واقع احتياج المجتمع السعودي ونهضته. 

شكرا لكل فكر نقي يرحب ببناء المعرفة ويستوعب أهمية جميع التخصصات العلمية التي تسهم بتكاملها في تركيب نسيج المجتمع الثقافي والفكري. 

وكل الشكر والامتنان والتقدير لقراء حروفي .. واللي ماله أول ماله تالي .. !

رابط المقال :











Moore, K. 1997. Museums and popular culture. Leicester : Leicester University Press. P.13.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق